إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية: سلاح ذو حدين في السياسة الأمريكية

يشير المحللون السياسيون والخبراء إلى أن مساعي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لدفع الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية لمجلس النواب، تهدف إلى حماية الأغلبية الجمهورية في انتخابات التجديد النصفي المقبلة، بل وقد تضع الأساس لسيطرة الجمهوريين على مجلس النواب لعقود قادمة. يأتي هذا في ظل سيطرة الجمهوريين حاليًا على مجلس النواب بهامش ضئيل، حيث يشغلون 219 مقعدًا مقابل 212 مقعدًا للديمقراطيين. يسعى ترامب لكسر القاعدة التاريخية التي تشير إلى خسارة الحزب الحاكم في الانتخابات النصفية، وهو ما حدث بالفعل خلال فترة رئاسته في عام 2018 عندما فقد الجمهوريون أغلبيتهم في مجلس النواب، وتكرر الأمر مع الرئيس الديمقراطي جو بايدن في عام 2022.

ردود فعل ديمقراطية وإرث "جيري ماندرينغ"

في المقابل، تهدد الولايات التي يسيطر عليها الديمقراطيون، وعلى رأسها ولاية كاليفورنيا، باتخاذ إجراءات انتقامية من خلال إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية لتحقيق مكاسب حزبية. هذه الممارسة، المعروفة باسم "جيري ماندرينغ" (Gerrymandering)، لها تاريخ طويل في السياسة الأمريكية، وقد تضاعفت قوتها بفضل أدوات تحليل البيانات الحديثة. ومع ذلك، يتمتع الجمهوريون بميزة كبيرة، حيث يسيطرون حاليًا على الهيئات التشريعية ومناصب حكام الولايات في 23 ولاية، بينما يسيطر الديمقراطيون على 15 ولاية فقط. تشير تحليلات مستقلة إلى أن الولايات الجنوبية والغربية التي يهيمن عليها الجمهوريون قد تضيف ما يصل إلى 11 مقعدًا في الكونغرس بعد تعداد الولايات المتحدة لعام 2030.

من الهيمنة الديمقراطية إلى التحديات الحالية

تجدر الإشارة إلى أن الحزب الديمقراطي سيطر على مجلس النواب لمدة 40 عامًا متتالية بين عامي 1955 و 1995، لكن هذه الميزة انتهت مع تحول أعداد كبيرة من الديمقراطيين المحافظين في الجنوب إلى الحزب الجمهوري. يثير الجدل الحالي حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية مخاوف بشأن "عصر جديد من جيري ماندرينغ"، حيث أن كلا الحزبين، في سعيهما لتحقيق ميزة، سيزيدان من حدة الانقسام في المجتمع الأمريكي المستقطب بالفعل.

مخاوف من التلاعب وتداعياته

في هذا السياق، يعرب منتقدو ترامب عن قلقهم بشأن هذه الممارسات، حيث يقول النائب الجمهوري السابق آدم كينزينجر، الذي فقد مقعده في ولاية إلينوي بعد إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في عام 2020: "أعتقد أن هذا هو الغش. الآن، في كل مرة يتم فيها كسر قاعدة سياسية، فإن هذه القاعدة لن تعود أبدًا. سيؤدي ذلك إلى انهيار جليدي لإعادة التقسيم المستمر، وأنا قلق للغاية بشأن ذلك".

تداعيات على التمثيل الديمقراطي

يرى محللو الانتخابات المحايدون أنه في انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، سيكون هناك حوالي 36 دائرة انتخابية فقط في مجلس النواب من أصل 435 دائرة على مستوى البلاد تشهد منافسة حقيقية، مما يحول المنافسة الحقيقية إلى الانتخابات التمهيدية للحزب - حيث يميل النواب المنتخبون إلى تبني مواقف متطرفة ويفتقرون إلى الرغبة في التسوية. ويشير توماس كاهن، القائم بأعمال مدير مركز الكونغرس والرئاسة في الجامعة الأمريكية، إلى أن "هذا يعني أن إرادة الناخبين لا يمكن أن تنعكس في نتائج الانتخابات. إذا أنشأ الجمهوريون ميزة مؤسسية من خلال جمع التبرعات أو 'جيري ماندرينغ'، فإنهم سيؤمنون السيطرة على مجلس النواب بشكل أساسي، وهذا يضر بالديمقراطية".

الهجرة وتأثيرها على الخريطة السياسية

تشهد ولايات مثل نيويورك وكاليفورنيا، التي تعتبر معاقل للديمقراطيين، هجرة سكانية إلى ولايات "حمراء" مثل فلوريدا وتكساس وأيداهو. يرى الجمهوريون في ذلك اعترافًا بسياساتهم. ويقول ويل كيلي، المتحدث باسم اللجنة الوطنية الجمهورية للكونغرس، وهي الهيئة المسؤولة عن حملات الجمهوريين في مجلس النواب: "العديد من الناخبين الذين انتقلوا من منطقة خليج كاليفورنيا إلى أوستن أو دالاس في تكساس أو بويز في أيداهو يميلون إلى تبني مواقف محافظة، وقد اختاروا الولايات الحمراء بسبب تكلفة المعيشة والقوانين واللوائح وحوكمة الولايات وبيئة الأعمال".

التغيرات الديموغرافية وتأثيرها على السلطة السياسية

تكشف بيانات التعداد السكاني أن النمو السكاني في ولايات مثل تكساس وفلوريدا منذ عام 2020 يأتي بشكل شبه كامل من مجتمعات الأقليات. من المتوقع أن تضيف تكساس 3-4 مقاعد بعد عام 2030، حيث يشكل اللاتينيون والأمريكيون من أصل أفريقي أو آسيويين 97٪ من النمو السكاني الجديد؛ وإذا أضافت فلوريدا 2-4 مقاعد، فإن أكثر من 75٪ من النمو سيأتي من نفس المجموعات. وتشير كارين كريتون، نائبة رئيس مركز برينان للعدالة غير الحزبي في جامعة نيويورك، إلى أن "النمو السكاني يأتي بشكل شبه كامل من مجتمعات الأقليات، وهذه التغييرات تحاول إضعاف سلطتهم السياسية".

التحديات الداخلية والانقسامات الحزبية

منذ بداية ولاية ترامب الثانية في يناير 2025، تصاعدت الخلافات الحزبية في الكونغرس، واستقال الجمهوريون المعتدلون. تعرض دون بيكون، عضو الكونجرس عن ولاية نبراسكا، لانتقادات من ترامب بسبب معارضته لخفض ميزانية البنتاغون. واستقال مايك غالاغر، النجم الصاعد الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، في أوائل عام 2024 بسبب معارضته لعزل وزير الأمن الداخلي السابق أليخاندرو مايوركاس. ويختتم جون دوارتي، عضو الكونجرس السابق، قائلاً: "لدينا مشاكل كبيرة تحتاج إلى حل، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم". لقد تم تصنيفه على أنه العضو الجمهوري الأقل محافظة قبل أن يخسر أمام الديمقراطيين. ويضيف: "كان بإمكاننا تحقيق الكثير، ولكن الجميع يتهربون من المسؤولية الآن".

الخلاصة

إن إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية تمثل أداة قوية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي الأمريكي. وبينما يسعى كلا الحزبين للاستفادة من هذه العملية، فمن الأهمية بمكان ضمان أن تكون هذه العملية عادلة وشفافة، وأن تحافظ على التمثيل الديمقراطي لإرادة الناخبين.

تحذير بالمخاطر: تعكس هذه المقالة وجهات نظر الكاتب الشخصية فقط، ولا تمثل سوى مصدر مرجعي. كما أنها لا تُعَد نصيحة استثمارية أو توجيهًا ماليًا، ولا تُعبّر عن موقف منصة Markets.com.عند التفكير في تداول الأسهم، ومؤشرات الأسهم، والفوركس (العملات الأجنبية)، والسلع، والتنبؤ بأسعارها، فتذكر أن تداول عقود الفروقات ينطوي على درجة كبيرة من المخاطرة وقد ينتج عنه تكبد خسائر فادحة.أي أداء في الماضي لا يشير إلى أي نتائج مستقبلية. المعلومات المقدمة هي لأغراض معلوماتية فقط، ولا تشكل مشورة استثمارية. تداول عقود فروقات العملات الرقمية ومراهنات فروقات الأسعار محظور لكل العملاء الأفراد في بريطانيا.

آخر الأخبار

N/A

الاثنين, 25 آب 2025

Indices

العملات المستقرة كمحرك جديد للطلب على سندات الخزانة الأمريكية في ظل ارتفاع الدين العام

N/A

الاثنين, 25 آب 2025

Indices

تأجيل إطلاق ستارشيب SpaceX بسبب مشاكل تقنية: نظرة على التحديات والمستقبل

N/A

الاثنين, 25 آب 2025

Indices

من يدفع حقًا الرسوم الجمركية؟ المستهلكون أم الشركات الأمريكية؟

N/A

الاثنين, 25 آب 2025

Indices

ارتفاع سوق الأسهم الصيني مدفوع بمدخرات الأسر والخوف من تفويت الفرصة